بحث مخصص

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

هل يمكن إصلاح الخطأ دون الاعتراف به؟

منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون يعيشون تقلبات وتغيرات وحراكات (جمع حراك) يقابلونها بشتى أنواع المواقف والقرارات التي تكون صائبة تارة وخاطئة تارة أخرى. ومثل جميع الشعوب والأمم فإن تاريخ المسلمين فيه كثير من السلبيات كما فيه كثير من الإيجابيات ولا يمكن لمن يدعى الموضوعية ويريد الإصلاح أن يتفاخر بالإيجابيات ويتغاضى عن السلبيات.

فمثلا لو نظرنا لشؤون المرأة لأقررنا بأن احوال المرأة عرفت تطورا كبيرا منذ ظهور حركات الإصلاح في العالم الإسلامي في نهاية القرن الثامن عشر، فإن حال المرأة المسلمة اليوم تغير كثيرا عما كان عليه عندما نشر قاسم أمين كتابه (تحرير المرأة) فاليوم المسلمون يعترفون ولو ضمنيا بفوائد تعليم البنات وبأن التعليم سلاح في يد المرأة والرجل للخروج من التخلف. وبمقارنة ما صلت إليه بعض النساء المسلمات اليوم وما كان يطالب به قاسم أمين فإنك ستحكم على قاسم أمين بأنه كان مقصرا فيما كان يطالب به من أن تتلقى البنت التعليم الابتدائي فقط: "ولست ممَنْ يطلب المساواة بين المرأة والرجل في التعليم؛ فذلك غير ضروري، وإنما أطلب الآن — ولا أتردَّد في الطلب — أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي على الأقل" (قاسم أمين). وعندما تقرأ كتابه ككل تجد أنه رجل فكر مسلم يريد الإصلاح يستشهد بالقرآن والسنة وينقد التقاليد السائدة في المجتمع المصري آنذاك. وبما أن كل محاولة تغيير تثير مقاومة للتغيير (Resistance to change) فإن كتاب قاسم أمين لقي استياء جمهور العلماء آنذاك وانهيل على الكاتب بشتى أنواع السب والشتم وصلت حد التكفير. واليوم نستطيع أن نقول ان كل أفكار قاسم أمين طبقت عموما في الواقع الإسلامي وربما تجاوزها الزمن (مع أنه اليوم مازالت الفتيات تحرم من التعليم في أفغانستان وباكستان ولا ننسى تعرض الطفلة ملالا يوسف زاي لمحاولة القتل لمجرد أنها دافعت عن حق البنات في التعليم)، ولكن هل سمعت أحد العلماء (أقصد مشايخ الدين) يقول لقد كنا مخطئين حين لم نأخذ بآراء قاسم أمين وضيعنا وقتا ثمينا في مقاومتها. بل الأدهى والأمر أنه مازال اليوم مشايخ يسبون قاسم أمين ويكفرونه ومازالت مقررات التعليم في بعض الدول العربية تدرس أفكار قاسم أمين على أنها أفكار شاذة ودعوة للإنحلال الأخلاقي.

وكذلك لو بحثت في الفتاوي الصادرة عن مشايخ الطريقة الوهابية فإنك تجد بعض الفتاوي الغريبة المنافية للعقل والعلم فمثلا أفتى بعض الشيوخ بأن الأرض لا تدور حول الشمس ولكن الشمس هي التي تدور حول الأرض وكفروا كل مسلم يعتقد العكس وأحلوا دمه، وعندما ووجهوا بالحقائق العلمية فلم يعترفوا بالخطأ بل أنكروا الفتوى وسحبوا الكتاب من السوق ومحيت الفتوى وأعيد نشر الكتاب. (ألا يذكركم هذا بشيء؟ أليست هذه هي المتاجرة بالدين؟)

فالأمثلة كثيرة عن الأخطاء التى إرتكبها المسلمون وهذا في حد ذاته ليس غريبا فكل الحضارات البائدة لها محاسنها ومساوؤها. ولكن المسلمون يضعون على أكتافهم حمل ثقيل وهو إيجاد تبرير لكل ما قام به القدماء وقد يكفي في بعض الأحيان الإعتراف بأنه كان خطأ.
ولكنك لن تجد اعتراف بالخطأ، فلا تتوقع مثلأ أن تسمع علماء المسلمين يقولون إن الرق واستعباد الناس واتخاذ الجواري وبيعهن في الأسواق كان خطأ فضيعا وجريمة ضد الإنسانية ومنافيا للأخلاق الإسلامية بل تجد من يبرره ويذهب مذاهب غريبة جدا في تفسير فوائد أن تغتصب المرأة في نقس اليوم (اللية) الذي قتل فيه زوجها المتهم بالكفر. ولن تسمع من يقول إن الأتراك (العثمانيين) ارتكبوا جريمة بمحاولتهم إبادة الأرمن، وما كان يحق لهم اختطاف أبناء الشعوب المستعمرة واجبارهم على الإسلام وتجنيدهم في الجيش الإنكشاري.

من أين جاءت هذه الثقافة: إنكار الخطأ، أليس القرآن يعلمنا أن كل إنسان وكل أمة مسؤول عما ورد منهم "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" (البقرة 133 و140). فليس هدفنا في الحياة أن نمجد الماضى و الأمم البائدة. أليس من المروءة أن يعترف الإنسان بخطئه ثم يصلحه بعد ذلك. هل يمكنك أن تصلح خطأ دون الاعتراف به؟ أعتقد أن هذا يسمى حالة إنكار في علم النفس (Denial) وليس إصلاح.

ليست هناك تعليقات: